إن الذين كتبوا عن الموت وتعرضوا لموضوعه هم ولا شك أقل الكتاب نسبة وأكثرهم بذلا. ولقد اتكأ جلهم على غايات واغراض فكرية أرادوا تثبيتها وسوق الأدلة عليها أو أهداف تضليلية تتلمح أسباب النيل من أفراد أو جماعات معنيين أو تصورات كل ما تعنيه هو التدليل على قوة المخيلة عند هذا الكاتب أو ذاك. وعلى هذا فقد جاءت الكتابات أكثرها غرضية غائية حتى إنه ليخيل الى القارئ بأن الكتاب يصور له عالم الموت وكأنه صورة عن عالم الحياة بل إن مشاكله هي استمرار طبيعي لمشاكله كما أن مناهجه واعتباراته تشبه تلك التي لهذا العالم. وهذه الغرضية البغيضة قد أضلت الكثيرين وخالفت قواعد الشريعة والعقل وضربت بعرض الحائط مصلحة الناس باكتساب الحقيقة وضيعت عليهم الفرص لمتابعة البحث عنها فلولا الكذب والكذبة ولولا الادعاء والأدعياء لما توقف الانسان زمنا طويلا أمام الأوهام أو انفق عمره في حفرة الحيرة وإنما استمر في بحثه يحدوه الامل الى أن يلتقي بالصورة الاصلية التي لها شبيها في داخله فيتطابق ما حصله واهتدى اليه مع الطبيعة التي فطر عليها دون ارتطام بعقبات أو اصطدام بتوهمات.