لقد أُنزل هذا القرآن وأُوحيت آياته، لأجل ان يهدي المخلوق البشريّ الى خالقه، فيحيي فطرته، ويعيدُه الى سابق سيرته. وانَّ أي تحريف لمقاصده ينأى بها عن هذه الغاية الجوهرية، لا بدَّ وان ينعكس على النفس البشرية ضلالاً لها عن أمر ربها، ونأيًا عن سبيل بارئها، ما يجعلها تقرأ الكتاب دون ان تهتدي، وتتلوه ولكن لا تصل الى معرفة الله المعرفة الدارئة لموج الشك الهائج، والغيم المتلبّد.
فويلٌ لأولئك الذين يتصدُّون لموضوع التفسير بأهوائهم ويلوون كتاب الله الكريم الى آرائهم، داعين الناس الى ما يظنُّون، وآخذين الغافلين الى ما يُريدون، إرضاءً لتصوّراتهم، واستجابةً لوساوس عصبيَّاتهم، بينما هم أمروا بتنكّب سبيل الذين سبقوا الى تحريف الكلم عن مواضعه، وحذّروا من عاقبة صرفه الى غير مصبّاته.
فان تطويع الآيات القرآنية – أو جانبًا منها - للخصوصيّات المذهبية، في عمليات التفسير، ليشكل العلَّة المسؤولة عن وجود ذلك الشرخ المانع دون وحدة المسلمين، فضلاً عن مسؤوليّته الناجزة بالصرف عن المتطلبات السلوكية التي يقرّرها توحيدُ رب العالمين.
وبالنسبة اليّْ، فلقد عرفت الله تعالى معرفة ضمَّت سائر الشروط اللازمة للمعرفة الحقَّة والدراية الناجزة والمعزّزة بالعلم والهدى، والكتاب المبين فلم يبق الاَّ ما يتعالى به الله عن خلقه، ويجلُّ به عن إدراك عبيده، وما اختصَّ به نفسه، ولم يُطلع عليه أحدًا من سُكان سماواته وأراضينه. وهنالك سلّمت خاضعًا لإلوهيته، وأذعنت صادعًا لربوبيَّته، وأسلمت مستقيمًا الى نور وجهه.
فانَّ ما يندمج عليه كتاب الله من أسماء وآلاء، وآثار وأخبار، وآيات واشارات، ومظاهر وظواهر، وشواهد ودلالات. ليُمثل سبيل النجاة للبشرية كافة على اختلاف فلسفاتها وتوجُّهاتها، وتبايُن أفكارها ومعتقداتها.