إن النظر الى الدنيا من قلبها والى الحياة من صميم انسيابها والى العالم عبر ناسه والى الواقع من خلال أحداثه قد لا يفضي الى الكثير مما نتطلع اليه رجاء احراز الامان وقطع دابر الشك ووقف وتيرة الحزن أو حسم مادة الجدال الدائر لم يزل حول الحقيقة المركزية للوجود.
واذا ما عمدنا الى تناول الاسباب الحائلة دون بلوغ تلك الغاية المكرمة عثرنا على أن الصورة النفسية للإنسان والتي ترتسم داخلها وعلى حواشيها كافة صفاته وامانيه وعادته ومراميه قد شاهت الى الحد الذي ران على قلبه فهوى وهان على بصره فعشا وذ ذاك فقد الانسان طائفة هامة من الطاقات النورانية التي اوتيها بفطرته وزود بها في أصل خلقته فساءت نظرته الى الدين فعادت بلية وانحسرت عن تدبر الاخرة فكأنها أحجية ... وهذا الكتاب ينظر الى الحياة من اخرها والى الكون من نهايته ومن اللحظة الاخيرة التي تسبق حين موته ... تمكينا لمن فاتته فرصة التعرف الى العالم وفهم الاسرار المحيطة به من قراءته مترجما الى اسطر وكلمات والوقوف على أخباره مصاغة في مشاهد ولوحات واحداث وتحولات فإن في يوم القيامة من العبر ما يكشف النقاب عن أكثر الحقائق الكونية التي حيرت الفلاسفة وبهرت اساطين العلم وشغلت الباحثين على امتداد تاريخ الوعي.
فمن فاته إدراك كيفية بدء الخلق سوف لن يعدم إدراك كيفية انتهائه ومن غابت عنه أوائله هان عليه استشراف اواخره فإن هذا الكتاب ليزخر بكنوز عرفانية ومعادن في الفلسفة الإلهية قل نظيرها في كتاب سواه ما دعا الى وضعه في قالب روائي ممتع تخفيفا لثقل الغرض وتلطيفا لحرارة التناول ولقد صيغة فصوله وعناوينه بلغة مشهدية ومفردات ايحائية فيها من عظيم الطاقة وروعة التصوير ما يضع القارئ في أجواء يوم القيامة فيريه من أحواله ما يلوي قناعته ومن أهواله ما يحيي استقامته ومن أحداثه ما يعود به عن سهوه وينجيه من مغبة انصرافه.